نعم ، هكذا ، شوق غريب ، وفرحُ لا يوصف .. تعودنا أن يكون الشوق بين المخلوقات ، بين الابن وأبيه ، والزوج وزوجته ، وحتى بين الحيوانات تجد شوق الصغار لأمهم ، وانظر إِلى الطيور ، ترى شوقاً عامراً بينهم .. ولكن العجب يملأ الفؤاد حينما يكون الشوق من جماد إِلى إنسان ..
نعم ، إنه القبر ، الحفرة العجيبة ، ذات التراب ، وذات الديدان .. إن القبر ينتظر رجال ونساء وهو في قمة الحب لهم ، والشوق ليسكنوا فيه .. وتأمل معي هذا الحديث : ( إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت : قدموني ، وإن كانت غير ذلك قالت : يا ويلها ، أين يذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الثقلين - أو قال : إلا الإنسان - ولو سمع الإنسان لصعق ) ..
إِنه لحديث جديرٌ بالتأمل ، والتفكير والتدبر .. ( قدِّموني ) إِنها جنازة ، تتكلم ، تعبِّر ، تنطق ، تنادي ، يا رجال ، ( قدِّموني ) ( ضعوني ) ( أنزلوني ) ( اتركوني ) ابتعدوا عني ، لا أريدكم ، يكفيني ذلك القبر ..
إِنها جنازة صالحة ، لرجل أو امرأة ، كان مع الله ، في عبادة وطاعة وخشوع وخضوع .. والنهاية : شوق القبر لأولئك الصالحين والصالحات .. إِنه جزاء الإحسان ، وصدق الله : ( هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) .
إِن الجنازة الصالحة تُحِبُّ القبر ، لِما تعلم من أنَّ القبر سيتقبَّلها بالأنوار ، وتفتيح أبواب الجنان ، والروح والريحان